فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}.
أخبر هذه الآية عن سابق عهده، وصادق وعده، وتأكيد عناج ودِّه، بتعريف عبده، وفي معناه أنشدوا:
سُقيًا لليْلَى والليالي التي ** كُنَّا بَلَيْلَى نلتقي فيها

أفديكِ بل أيامُ دهري كلها ** يفدين أيامًا عَرَفْتُكِ فيها

ويقال فأجابهم بتحقيق العرفان قبل أن يقع لمخلوق عليهم بَصَرٌ، أو ظهر في قلوبهم لمصنوع أَثَرٌ، أو كان لهم من حميمٍ أو قريب أو صديق أو شفيق خبر، وفي معناه أنشدوا:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادق قلبًا فارغًا فتمكنَّا

ويقال جمعهم في الخطاب ولكنه فَرَّقهم في الحال. وطائفةٌ خاطبهم بوصف القربة فعرَّفهم في نفس ما خاطبهم، وفِرْقةٌ أبقاهم في أوطان الغيبة فأقصاهم عن نعت العرفان وحجبهم.
ويقال أقوام لاطَفَهم في عين ما كاشَفَهم فأقروا بنعت التوحيد، وآخرون أبعدهم في نفس ما أشهدهم فأقروا عن رأس الجحود.
ويقال وَسَمَ بالجهل قومًا فألزمهم بالإشهاد بيان الحجة فأكرمهم بالتوحيد، وآخرين أشهدهم واضِحَ الحجة (...).
ويقال تجلَّى لقوم فتولَّى تعريفهم فقالوا: {بلى} عن حاصل يقين، وتَعَزَّزَ عن آخرين فأثبتهم في أوطان الجحد فقالوا: {بلى} عن ظنٍ وتخمين.
ويقال جمع المؤمنين في الأسماء ولكن غاير بينهم في الرتب؛ فَجَذَبَ قلوبَ قوم إلى الإقرار بما أطمعها فيه من المبَارِّ، وأنطق آخرين بصدق الإقرار بما أشهدهم من العيان وكاشفهم به من الأسرار.
ويقال فرقةٌ ردَّهم إلى الهيبة فهاموا، وفِرْقَةٌ لاطفَهم بالقربة فاستقاموا.
ويقال عرَّف الأولياء أنه مَنْ هو فتحققوا بتخليصهم، ولَبَّسَ على الأعداء فتوقفوا لحيرة عقولهم.
ويقال أسمعهم وفي نفس أحضرهم، ثم أخذهم عنهم فيما أحضرهم، وقام عنهم فأنطقهم بحكم التعريف، وحفظ عليهم- بحسن التولي- أحكامَ التكليف وكان سبحانه لهم مُكَلِّفًا، وعلى ما أراده مُصَرِّفًا، وبما استخلصهم له مُعَرِّفًا، وبما رقاهم إليه مُشَرّقًا.
ويقال كاشف قومًا- في حال الخطاب- بجماله فطوحهم في هيمان حبه، فاستمكنت محابُّهم في كوامن أسرارهم؛ فإِذا سمعوا- اليومَ- سماعًا تجددت تلك الأحوال، فالانزعاجُ الذي يَظْهَرُ فيهم لِتَذَكُّرِ ما سَلَفَ لهم من العهد المتقدم.
ويقال أسمع قومًا بشاهد الربوبية فأصحاهم عن عين الاستشهاد فأجابوا عن عين التحقيق، وأَسمع آخرين بشاهد الربوبية فمحاهم عن التحصيل فأجابوا بوصف الجحود.
ويقال أظهر آثارَ العناية بدءًا حين اختصَّ بالأنوار التي رشت عليهم قومًا، فَمَنْ حَرَمَه تلك الأنوار لم يجعله أهلًا للوصلة، ومَنْ أصابَته تلك الأنوارُ أَفْصَحَ بما خُصَّ به من غير مقاساة كَلَفَة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (174):

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كأنه قيل تبيهًا على جلالة هذه الآيات: انظر كيف فصلنا هذه الآيات هذه التفاصيل الفائقة وأبرزناها في هذه الأساليب الرائقة، قال: {وكذلك} أي ومثل ذلك التفصيل البديع الجليل الرفيع {نفصل الآيات} أي كلها لئلا يواقعوا ما لا يليق بجانبنا جهلًا لعدم الدليل {ولعلهم يرجعون} أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن الضلال إلى ما تدعو إليه الهداة من الكمال عن قرب إن حصلت غفلة فواقعوه، وذلك من أدلة {والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا} [الأعراف: 58] و{ما وجدنا لأكثرهم من عهد} [الأعراف: 102] و{سأصرف عن آياتي} [الأعراف: 146]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الأيات}.
المعنى: أن مثل ما فصلنا وبينا في هذه الآية، بينا سائر الآيات ليتدبروها فيرجعوا إلى الحق ويعرضوا عن الباطل، وهو المراد من قوله: {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقيل: أي ما أخذ عليهم من الميثاق في التوحيد، وفي الآية قول ثالث؛ وهو أن الأرواح البشرية موجودة قبل الأبدان، والإقرار بوجود الإله من لوازم ذواتها وحقائقها، وهذا العلم ليس يحتاج في تحصيله إلى كسب وطلب، وهذا البحث إنما ينكشف تمام الانكشاف بأبحاث عقلية غامضة، لا يمكن ذكرها في هذا الكتاب، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الآيات} يعني هكذا نبيّن الآيات في أمر الميثاق {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى إقرارهم وإلى التوبة فالواو الأولى للعطف وهو قوله: {وكذلك} والواو الثانية زيادة للوصل وهي قوله: {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ومعناه: وكذلك نفصل الآيات لعلهم يرجعون أي لكي يرجعوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات}.
تقديره وكما فعلنا هذه الأمور وأنفذنا هذه المقادير فكذلك نفصل الآيات ونبينها لمن عاصرك وبعث إليه، {لعلهم} على ترجيهم وترجيكم وبحسب نظر البشر، {يرجعون} إلى طاعة الله ويدخلون في توحيده وعبادته، وقرأت فرقة {يفصل} بالياء.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وكذلك نُفَصِّل الآيات} أي: كما بينَّا في أخذ الميثاق الآيات، ليتدبَّرها العباد فيعملوا بموجبها.
{ولعلهم يرجعون} أي: ولكي يرجعوا عمَّا هم عليه من الكفر إلى التوحيد. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وكذلك نفصِّل الآيات} يعني ليتدبرها العباد فيرجعون إلى الحق والإيمان ويعرضوا عن الباطل والكفر وهو المراد من قوله: {ولعلهم يرجعون} يعني عن الشرك إلى التوحيد وقيل معناه ولعلهم يرجعون إلى الميثاق الأول فيذكرونه ويعملون بموجبه ومقتضاه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكذلك نفصل الآيات} أي مثل هذا التفصيل الذي فصّلنا فيه الآيات السابقة نفصل الآيات اللاحقة فالكل على نمط واحد في التفصيل والتوضيح لأدلّة التوحيد وبراهينه.
{ولعلهم يرجعون} عن شركهم وعبادة غير الله إلى توحيده وعبادته بذلك التفصيل والتوضيح وقرأت فرقة يفصل بالياء أي يفصل هو أي الله تعالى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}.
{وكذلك} إشارةٌ إلى مصدر الفعل المذكور بعده، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو شأنِ المشار إليه وبُعد منزلتِه، والكافُ مقحمةٌ مؤكدةٌ لما أفاده اسمُ الإشارةِ من الفخامة، والتقديمُ على الفعل لإفادة القصْر ومحلُّه النصبُ على المصدرية أي ذلك التفصيلَ البليغَ المستتبِعَ للمنافع الجليلة {نُفَصّلُ الآيات} المذكورةَ لا غيرَ ذلك {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وليرجعوا عما هم عليه من الإصرار على الباطل وتقليدِ الآباء نفعل التفصيلَ المذكورَ. قالوا: وإن ابتدائيتان، ويجوز أن تكون الثانيةُ عاطفةً على مقدر مترتبٍ على التفصيل أي وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها من المرغّبات والزواجر وليرجعوا الخ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الآيات} أي ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة نفصلها لا غير ذلك.
{وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما هم عليه من الإصرار على الباطل نفعل التفصيل المذكور، وقيل: المعنى ولعلهم يرجعون إلى الميثاق الأول فيذكرونه ويعملون بمقتضاه نفعل ذلك، وأيًا ما كان فالواو ابتدائية كالتي قبلها، وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي ليقفوا على ما فيها من المرغبات والزواجر، أو ليظهر الحق ولعلهم يرجعون، وقيل: إنها سيف خطيب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {وكذلك نفصل الآيات}.
معترضة بين القصتين، والواو اعتراضية، وتسمى واو الاستئناف أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات أي آيات القرآن، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} في سورة الأنعام (55).
وتفصيلها بيانها وتجريدها من الإلتباس.
وجملة: {ولعلهم يرجعون} عطف على جملة: {وكذلك نفصل الآيات} فهي في موقع الاعتراض، وهذا إنشاء ترجّي رجوععِ المشركين إلى التوحيد، وقد تقدم القول في تأويل معنى الرجاء بالنسبة إلى صدوره من جانب الله تعالى عنه قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} في سورة البقرة (21).
والرجوع مستعار للإقلاع عن الشرك، شُبه الإقلاع عن الحالة التي هم متلبسون بها بترك من حل في غير مقره الموضع الذي هو به ليرجع إلى مقره، وهذا التشبيه يقتضي تشبيه حال الإشراك بموضع الغُربة، لأن الشرك ليس من مقتضى الفطرة فالتلبس به خروج عن أصل الخلقة كخروج المسافر عن موطنه، ويقتضي أيضًا تشبيه حال التوحيد بمحل المرء وحيّه الذي يأوي إليه، وقد تكرر في القرآن إطلاق الرجوع على إقلاع المشركين عن الشرك كقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه لعلهم يرجعون} [الزخرف: 26 28] أي يرجعون عن الشرك، وهو تعريض بالعرب، لأنهم المشركون من عقب إبراهيم، وبقرينة قوله: {بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبينٌ} [الزخرف: 29]، فإني استقريْتُ من اصطلاح القرآن أنه يشير بهؤلاء إلى العرب. اهـ.